بسم الله الرحمن الرحيم
من أعظم نِعَمِ الله تعالى على العبد المسلم أن يجعل صدره سليماً من الشحناء والبغضاء ، نقياً من الغلِّ والحسد ، صافياً من الغدر والخيانة ، معافىً من الضغينة والحقد ، لا يطوي في قلبه إلا المحبَّة والإشفاق على المسلمين .
قد يجد المرء من بعض إخوانه أذىً أو يصيبه منهم مكروه ، وربما يسرف بعض إخوانه في جرحه أو الحط من قدره ، بل قد يصل الأمر والعياذ بالله إلى أن يفتري أحد إخوانه عليه الكذب ويتهمه بالسوء .. ومع ذلك كله تراه يدعو الله عز وجل بقلب صادق أن يتوب على إخوانه ، ويتجاوز عنهم ، ويهديهم سبيل الرشاد ، و لا يجد في نفسه سبيلاً إلى الانتقام أو الانتصار للنفس . وبقدر إدبارهم عنه وأذاهم له ، يكون إقباله عليهم وإحسانه إليهم ، يهتدي دائماً بقول الله تعالى : [ وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ]
( فصلت : 34-35 )
سلامة الصدر : راحة لصاحبها ، وصلاح بال ، وصفــاء ذهن ، وطمأنينة قلب ، وعافية نفسية ، وبرء من آلام وأوجاع ومعاناة الغل والحقد والحسد ، ومن سائر أدواء مرض الصدر وآفاته.
أما أصحاب النفوس الضعيفة الهزيلة التي تحمل بين جنباتها ثقافة الكراهية لكل من يخالفها أو ليس على مذهبها ، ويقعون في أعراض إخوانهم بل وتعدوا إلى خير الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة والدعاة إلى الله ، ويشتغلون بإشاعة السوء والنميمة ، ولا يقيمون وزناً لكبير ولا صغير ، ولا يخافون الله تعالى في لحوم عباده .
سلامة الصدر : حال عزيزة نادرة ، وهي ـ وإن كانت تُكتسب وتستفاد ، ولها أسباب توصلك إليها ـ إلا أنها هبة من الله يمنحها من يشاء من عباده : إما بمحض فضل منه ورحمة ، وإما لاجتهاد العبد في إصلاح قلبه ، وسلامة صدره ، فيكافئه الله ـ بفضله أيضاً ـ من جنس ما عمل ، وبنية ما قصد ؛ ولذلك كان دعاء المؤمنين ـ تضرعاً إلى الله ـ : {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10] .
سلامة الصدر هي أقصر الطرق إلى الجنة ، وأقلها كلفة بدنية ، واجتهاداً مادياً ، وإن كانت كُلَفُ البدن من أعظم دعائم تلك السلامة، بل هي شرايين حياتها وإمدادها ، إلا أن مجاهَدات النفس هي أصل حياتها.
لا تجد سليم الصدر إلا ودوداً بإخوانه ، ذليلاً عليهم ، رؤوفاً رحيماً بهم وبعموم المؤمنين ، يستر زلاتهم ، محباً لهم ما يحبه لنفسه ، طالباً لما فيه صلاحهم ، حريصاً على ما منه نفعهم.
سليم الصدر : لا يضمر إلا الخير والصلاح ، ولا يطوي فؤاده إلا على نية حسنة ، ولا يسعى إلا إلى مقصد نبيل ، ومن كان كذلك فهو أبعد الناس عن المخادعة والمصانعة ، وأشدهم تنزهاً عن المجاملات الصفراء ، وأعظمهم تورعاً عن المآرب الخاصة .
سليم الصدر : نقي السريرة ، صادق صدوق ، لا نفاق فيه ولا تلوُّن ، ولا سراديب لأفعاله ومعاملاته ، ولا مراوغات أو تغريرات في عهوده ووعوده .
فلنعش معاً بهذه الثقافة ، ثقافة الحب والتسامح ولنغسل قلوبنا من أدران الحسد والبغضاء .